السلام عليكم قبل قليل كنت اثصفح الهاتف في احد مواقع التواصل الاجتماعي, فاذا بي اصادف مقطعا لاحدى الفتيات و هي تبكي بحرقة شديدة لان زوجها طلقها بعد زواج دام أربعة أشهر فقد تفاجأت بالطلاق لأنه هاتفها قبل ثلاثة أيام ووعدها بالبحث عن منزل ليعيشا فيه معا و لوحدهما [ يبدو انها كانت في منزل والديها لأنها لم تكن تريد السكن مع والديه لأسباب لم تفصح عنها]  على كل حال , هذه الفتاة جعلتني ارجع بمخيلتي الى الماضي : قبل 25 سنه

, تزوجت شخصا كان يدرس معي في الثانوية , كنا مجموعة من الأصدقاء يربط بينهم الاحترام والاخوة , وكان هذا الشخص يتميز بالرزانة والحكمة , لذلك جذب انتباهي نحوه وعلى ما يبدو كان يبادلني نفس الشعور, انتهت مرحلة الثانويه , وأخذ كل  منا اتجاها في هذه الحياه,  منا من ذهب الى الجامعه من اجل التحصيل الدراسي [وكنت منهم ] ومنا من ذهب الى احد المعاهد العليا , وآخرون ذهبوا الى الخارج من اجل اتمام الدراسه او العمل[ وكان منهم ] . مرت السنوات, والتقينا من جديد بحكم وجود أصدقاء مشتركين بيننا , فبدأنا نتواصل,  كان دائما ذلك الشاب المتميز بالرزانة , الشاب المعقول,  المنطقي,  غير المتهور,  الذي لديه مبادئ في هذه الحياه , كنت استمع اليه كثيرا خاصة عندما يتحدث عن الاختلاف بين مجتمعنا العربي الإسلامي المتدين,  والمجتمع الأوروبي المتحرر,  بالطبع لكل منهما ايجابياته وسلبياته لكن تبقى بعض التقاليد والعادات التي  تربينا عليها أكثر منطقية وأكثر حشمة

تحول الإعجاب الى حب , وتزوجنا , وكانت الدنيا لا تسعني من الفرحة,  احسست بالفرحة العارمة وكان لا احد اكثر مني سعاده في هذا الكون , فأنا تزوجت ممن اعجبت به في مراهقتي واحببته في شبابي رغم أنه عاش سنوات عديدة في ايطاليا بين الشقراوات والجميلات,  لكنه عندما أراد بناء أسرة فكر في واختارني وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على تمسكه بي وحبه لي 

على كل حال تزوجنا , اكتفينا بحفله بسيطه لان قدراتنا المادية لم تسمح بغير ذلك , وذهبت للعيش مع عائلته في انتظار اللحاق به,  بعد بضعة شهور, بدأت المشاكل ولن اكون صادقه اذا قلت انني اعرف السبب , ففي كل مرة يكون السبب تافها لا يستحق منا الوقوف عنده البتة , كان في كل مرة يبذل جهدا لاستفزازي ويتفنن في ذلك وعندما كنت أقابل تصرفاته باللا مبالاة كان يقول اني اتظاهر بالصبر   والحكمة لكن في الحقيقه انا ممثله جيده وسوف اتغير بمجرد وصولي إلى إيطاليا كباقي نساء أصحابه,  كان يعمل كل ما في وسعه لمضايقتي ونزع

ذلك القناع الذي كنت اضعه على حد تعبيره وتفاديا لكل نقاش وعراك , بدأت البي كل اوامره وتعليماته الانانية, يكفي ان اقول لكم انني لم اذهب الى منزل والداي لمده سنه كامله [كان يبعد باربع او 5 كلم ]  كانت عائلتي هي من تأتي لزيارتي خلال هذه السنة , وعندما كان يتصل هاتفيا كان يتحدث مع جميع من في المنزل امه , اخوته , أخته وابنتها التي كان عمرها لم يتجاوز العامين الا انا , لم يكن يعرف اذا كنت مريضة ام لا,  سعيده ام لا,  احتاج الى شيء أم لا,  لأنه كان يرسل شهريا مبلغا من المال لأمه ولم يكن يرسل لي شيئا لشراء ما احتاج إليه, بل كان اخوتي وامي هم من يعطونني مبلغا من المال من حين لاخر اما ابي لم يكن يعرف بالامر,  كانت أمه تعرف كل شيء ولم تفكر يوما بمنحي مبلغا من النقود رغم انني انا التي اقنعته بإرسال هذه النقود عند بداية زواجنا,  وازيدكم من الشعر بيت , عندما جاء في العطلة الصيفية بدل أن يصطحبني في خرجاته مع اصدقائه وزوجاتهم كان يطلب من اخته الذهاب معه , اخته المتزوجه , نعم كانت متزوجة ولديها طفلة , كانت تتركها وتترك زوجها وتذهب معه بكل وقاحه وامها كانت ترى كل هذا ولا تتكلم حتى أنها لا تعير الأمر اهتماما . كثير منكم سوف يتساءل لماذا قبلت على نفسي كل هذا الذل وهذه المهانه ?هناك عده اسباب : في البدايه كنت اقول لنفسي ان السنوات الاولى للزواج تكون صعبه تستلزم منا بعد الصبر والتفهم والاستيعاب واحتواء الاخر,  لكني لم اكن اعرف حدود هذا الصبر,  ولا الحدود الفاصله بين المعقول واللامعقول,  الحدود الفاصله بين الذل والكرامه,  كنت اقول لنفسي بكل سذاجه ان لم اقل بكل غباء ان عصبيته هاته ورده فعله ناتجه عن المشاكل التي يعيشها مع اخوته,  كان احد اخوته في السجن,  الشيء الذي لم اعرفه حتى مر شهر على زواجي ,  وكانت اول صفعه تلقيتها , ومع توالي الصفعات اصبحت تلك الانسانة المصدومه المندهشه , التي تتوقع صدور اي شيء في اي وقت واي زمان ومن اي شخص , ولا تصدر اي رده فعل,  كنت اعيش في وسط غير وسطي او على الاقل ليس ذلك الذي كنت اتصوره وانتظره واحلم به,  فانا لم احلم بالكثير ولم انتظرالمستحيل,  بل حلمت بزوج محب حنون وباسره متفهمه تربط افرادها الموده والرحمه والاحترام , لكني صدمت بزوج غير الذي كنت اعرف , وباسره متهكمه غير مباليه بي ولا بمشاعري 

ولكي لا اطيل عليكم , استغرق الأمر عامين ونصف ووصل في الاخير الى ذروته فكان الطلاق,  بالنسبة لي , كانت النهايه , جرحت , تحطمت وشلت كل مشاعري وادراكاتي , وتوقف عقلي , لكن بعد مده ليست بالقصيره , بدأت في استيعاب ما وقع , في تقبل الواقع,  في تضميد الجراح ولملمة الشتات , وكان الفضل يعود بعد الله سبحانه وتعالى الى اسرتي[ امي ابي واخوتي] أول شيء قمت به البحث عن عمل,  قمت باعطاء دروس الدعم في مادة الرياضيات لأبناء جيراننا موازاة مع العمل في احدى المدارس الخصوصية الابتدائيه

بعد بضع سنوات تمكنت من المجيء إلى إيطاليا بمساعدة والداي وإحدى الصديقات , كان هدفي الاول الهروب من كل ما يحيط بي[ ليست عائلتي بالطبع ] بل الهروب من فشلي ربما وكل ما يذكرني به ,وربما الهروب من نفسي,  من ذلك الشخص الضعيف والمقهور الذي يسكن بداخلي,  الهروب من الماضي والخروج من تلك القوقعة التي اعيش فيها,  وإطلاق العنان لتلك الروح الحزينه الكامنة بداخلي,  وطوي صفحه الماضي

وبفضل الله تعالى واحد الاصدقاء , بمجرد وصولي تمكنت من إيجاد عمل في أحد المطاعم,  وبين الفتره الصباحيه والمسائيه كنت اذهب الى احدى المدارس لتعلم اللغه الايطاليه , وأعود الى المنزل بعد منتصف الليل حيث كنت اسكن مع بعض الفتيات , كنت اعمل بجد ومثابرة وكانت تملؤني الرغبة في ايجاد نفسي الضائعة رغم أن عملي كان بسيطا [غسل الاواني والتنظيف] لكنني كنت فرحة جدا بإيجاده,  لأنه عمل عفيف شريف,  يمكنني من العيش بكرامه في هذه الغربه , بعد ذلك تمكنت من تأجير شقة بمفردي وعشت في سلام تام

شاءت الاقدار بعد ذلك ان اربط الاتصال باحد الاصدقاء الذين كنت اعرفهم في المغرب منذ الطفوله , درس في ايطاليا وكان يعمل بها , وبينما كان يسالني عن احوالي , حكيت له قصتي باختصار من البدايه,  وقلت له ضاحكه انني تطلقت لكن لا تسالني عن الاسباب لاني لا اعرفها,  وخلال الحديث علمت انه يسكن بنفس المدينه التي يسكن بها طليقي , غمرني بعض الفضول وحب الاستطلاع,  فاعطيته اسم زوجي السابق لعلي اعرف شيئا عن حياته الغامضه,  وفي المكالمه المواليه اخبرني ان طليقي كان متزوجا اثناء زواجي منه بمعنى انه تزوج بي في المغرب وهو متزوج بايطاليه في إيطاليا, لهذا لم يكن باستطاعته ان يصحبني للعيش معه , بل كان يعلم علم اليقين ان مجيئي الى هنا امر مستحيل لكنه كان طبعا يوهمني بانه يعمل كل ما في وسعه حتى التحق به,  لا اخفيكم الامر في الماضي كثيرا ما كنت اسرح بمخيلتي , احلل واناقش لوحدي لمعرفه سبب المشاكل التي كان يفتعلها , لكني لم اتوصل يوما الى تفسير منطقي كل ما كنت اعرفه هو  ان هذا الانسان لم يكن اطلاقا ذلك الشخص الذي كنت اعرفه,  كان غير شفاف , غير واضح, غير منطقي في تصرفاته , وربما كان يخفي شيئا ما , لكنني لم اتصور ابدا يوما انه بهذه الازدواجيه وهذه الانانيه والنرجسية , وانني احببت وتزوجت شخصا كان في مخيلتي فقط ولا يوجد على ارض الواقع , وانه هو من كان ممثلا ويضع القناع على وجهه ولست انا كما كان يتهمني

انا الان اعيش في ايطاليا لا ينقصني شيء,  اعيش حياة تسودها الراحة والسكينة ونعم لا تعد ولا تحصى والحمد لله , عملي مريح أكثر , اسكن في منزل صحبة اختاي واحده تعمل والأخرى تدرس بالجامعه , وكل ما تذكرت قصتي هاته احمد الله تعالى واكون ممتنه له,  ولزوجي السابق وأسرته التي كان لها دور ليس بالبسيط في هذه النهايه ,ولانه دفعني الى

تغيير حياتي, فلو لم يعاملني كما عاملني لبقيت رهينة تلك الحياه البائسه , المليئه بالمشقة والبؤس,  ومن يدري ربما بقيت الزوجه الثانيه التي ترى زوجها فقط كل عطلة صيفية , تنتظر مجيئه مرة في السنة لتعيش لحظة سعاده وأسابيع من العذاب

وفي الاخير, أقول لتلك الفتاه التي شاهدتها على المحمول أنه لا ضرر في أن نفشل أو نخطئ,  ولا ضرر ان نثق في اشخاص ليسوا اهلا للثقة , ولا ضرر في أن نخدع من أشخاص كانوا توام الروح يوما وقدمنا لهم كل الحب والتقدير, و لكن الضرر وكل الضرر, ان نبقى حيث نحن, في مكاننا نتألم و نستحضر الماضي,  ننظر إلى الوراء , وننغمس فيه , دون تطلع إلى المستقبل, دون بدل اي مجهود للخروج من هذه الحاله ,و دون بدل مجهود لمحاولة النهوض واسترجاع قوتنا , ونسيان الماضي, والمضي قدما إلى الأمام في هذه الدنيا بكل جد ومثابرة وتوكل على الله تعالى[ البحث عن عمل متابعة الدراسة تعلم اللغات تعلم إحدى الحرف …..] فربما الامر يستغرق شهورا وربما سنوات , لكننا سوف نتشافى ونتعافى عاجلا ام اجلا من كل انسان سعى الى الاساءة الينا , ومن كل احساس أدى يوما الى تدميرنا , فالحياة لا تقتصر على الزواج , ولا تقف عند شخص واحد, ويجب ان نعرف جد المعرفة ان الاشخاص حولنا بذور.نجهل نوعها,لكننا نكتشف حقيقتهم عندما نزرعهم في حياتنا: قد يصبحون وردا يعطر ايامنا او شوكا يؤلم قلوبنا لكن الوقت كفيل بتضميد الجراح و برد الامور الى نصابها, والطلاق في كثير من الأحيان يكون بداية لانطلاقة جديدة,  صحيح انه لو لم يكن في حياتي لربما كانت مختلفة , , لكن قدر الله وما شاء فعل  , قال تعالى <وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم >صدق الله العظيم فرب الخير لا يأتي الا بالخير

 

No comments