اول الامر اريد ان اطلب منكم ان تتحلوا بالصبرحتى انهي قصتي , وان تتفهموا حالتي, راجية ان اجد من بينكم من يساعدني بتسديد بعض النصائح حتى اتمكن من تخطي محنتي, وايجاد قليل من الاستقرار النفسي الذي ابحث عنه منذ مدة, فيكفيني ما اعيشه من عذاب وتانيب ضمير,  اردت اليوم ان احكي لكم حكايتي لان صبري نفذ, ولانني اعيش بين نارين, نعم  انا اليوم امام اختيارين كلاهما مر,والسبب خطا فادح ارتكبته , بل مصيبة اوقعت نفسي فيها في فترة شبابي.


قبل عشرين سنة, كنت شابة في مقتبل العمر, تعرفت على احد الشبان, اغرمت به ووقعت معه في المحظور, اعلم جيدا انه لم يكن علي فعل ما فعلته  وانا نادمة كل الندم, لكن بحكم الطيش و المراهقة وقع ما وقع, وللتوضيح فقط , انا لا ابررولا ادافع عن نفسي لكن احاول ان احكي لكم حكايتي بكل شفافية و مصداقية,المهم اكتشفت بعد مدة انني حامل , واكتشفت كذلك ان الشاب الذي شاركني المسؤولية غير مسؤول البتة, ذهب الى حال سبيله تاركا اياي في مصيبتي, ذهبت الى احدى الصديقات التي كانت تعمل باحدى المدن وتسكن بمفردها,بعد ان اقنعت والداي بضرورة ذهابي لاتمام دراستي بحجة ان الجامعة بتلك المدينة افضل,ساعدتني صديقتي وعملت كل ما بوسعها لتجاوز هذه الفترة, كانت دائما تمطرني بالشتائم والنوبيخ لكنها لم تتخل عني , وانا لم انس ابدا مساندتها لي , ووقوفها بجانبي.
جاء اليوم الموعود , وكان المولود ذكرا, انجبته في احد مستشفيات تلك المدينة, وتخليت عنه,نعم ذهبت الى حال سبيلي تاركة فلذة كبدي يواجه بمفرده هذا العالم , حاملة معي , في مخيلتي فقط , صورة لرضيع برئ لا ذنب له في كل ما وقع, لم يكن الامر سهلا, لكني كنت مجبرة على تركه, لان شغلي الشاغل كان هو نظرة المجتمع لي, وخوفي من والداي واخوتي, اتفق معكم كل الاتفاق:كان يجدر بي الخوف من الله اولا ثم منهم جميعا قبل معرفتي بذلك الشاب, لكن كما قلت سابقا انا احكي لكم حكايتي كما هي, بكل صدق و مصداقية.
مرت السنين, اتممت دراستي, تزوجت, ورزقني الله تعالى ابناءا اخرين, انعم علي سبحانه بحياة مستقرة{ له الحمد و الشكر}لكني لم انس ابدا طفلي الاول, كنت دائما افكر فيه في كل لحظة:عندما اعتني بابنائي,عندما اراهم ياكلون, يلعبون, يدرسون, ينامون, في كل لحظة من حياتهم, كانت تجول في راسي عدة اسئلة لا يعلم اجابتها الا الله سبحانه:يا ترى اين هو؟ اين يعيش ؟ مع من؟ هل تكفلت به احدى الاسر؟ او يعيش في احدى الخيريات؟ ام يا ترى هو احد المشردين الذين اراهم يتسكعون في الشوارع هنا وهناك؟ هل هو اصلا على قيد الحياة ام لا؟ كنت احس بالالم يعتصر قلبي, وبالحزن العميق ينخر داخلي, لكن كنت افوض امري الى الله تعالى, طالبة منه ان يسامحني على ما فعلت , وان ييسر امره, ويحفظه اينما وجد.

قبل بضعة اشهر, في احد الايام , كنت لوحدي في المنزل,لان زوجي وابنائي ذهبوا للتبضع , بينما كانت المساعدة  المنزلية في عطلة,واذا بي اسمع طرقا على الباب, عندما فتحت وجدت سيدتين محترمتين تسالان عني, كنت لا اعرفهم, وكان واضحا جدا انهما ليستا من المنطقة لان لهجتهما كانت مختلفة, شككت في الامر, وكاي انسان له ماض اسود, اجبت بالانكار وبانني لست السيدة التي يبحثون عنها, وسالتهم عن الموضوع فلربما استطيع مساعدتهم, اجابتني احداهن: نريدها في موضوع شخصي,لدينا امانة تخصها, بدا قلبي يدق, واردت معرفة المزيد, فقلت لهما كاذبة ان السيدة التي تبحثان عنها من عائلتي, وانها كانت تسكن بهذا المنزل لكنها الان تقطن باحدى الدول الاروبية, وبشيء من اللباقة والحيلة اقنعتهما بقول ما جاءا من اجله, فقالت لي السيدة التي اجابتني في المرة الاولى انها ربت ابنا اخذته من احدى الخيريات منذ ما يقارب ثمانية عشر عاما, وكل المعلومات التي كانت تعرفها عنه هو اسم الام,وبعد هذه الخطوة رزقها الله تعالى بنتا بعدما كانت لديها مشاكل في الانجاب, ومنذ عدة سنوات وهي تسال وتجمع المعلومات الكافية لتتوصل الى الام البيولوجية, وتجمعها بابنها, كما  اكدت انها لا تفكر يوما في التخلي عنه,وابعاده عنها, بل كل ما في الامرانها اخذت على عاتقها هذا الوعد, وانها تحس ان من مسؤوليتها العثور على امه البيولوجية حتى تحس انها ادت دورها على اكمل وجه  رغم ان الابن لا يعير الامر اهمية بل يرفض البحث عنها ورؤيتها ويعتبرمن ربته امه الحقيقية, مضيفة انه حصل على الباكالوريا العام الماضي,وهو الان بالسنة الاولى للاقسام التحضيرية, وكان وما يزال مجتهدا, ذكيا وله مستقبل واعد ان شاء الله.
وعدتها بالمساعدة, واخذت رقمها الهاتفي, ولحد الان لم اجرؤ على قول الحقيقة لها, لم تكن لدي الشجاعة الكافية لاعترف اني امه,ولاراه وارى ملامحه وتعابير وجهه, ولم تكن لدي الشجاعة الكافية لالتقي به واعانقه واخذه بين ذراعي واشم رائحته التي حرمت منها منذ زمن بعيد, وفي كل مرة اقرر ذلك تخونني قواي وشجاعتي واتراجع عن فعل اي خطوة الى الامام , ويعتمرني الخوف: اخاف من ردة فعله ومن احتمال عدم تقبله لي, اخاف من محيطي, من  زوجي, من ابنائي, ويبدو لي ان الامر اصبح اكثر تعقيدا من الماضي, على الاقل كان الامر يتعلق بشابة صغيرة, ليس لها زوج وابناء, ولم يكن لها هذا المركز الذي وصلت اليه , وهذا المستوى الذي حاربت من اجله سنوات عديدة, خصوصا ان الابن يرفض الامر برمته,لذلك كما قلت في البداية احس نفسي بين نارين وعلي ان اختار بين شيئين احلاهما مر, اما فيما يخص السيدة التي ربت ابني, فبعد عدة محادثات بيننا وبعد ان تاكدت انني لن اساعدها لاني كنت اراوغها, اصبحت لها بعض الشكوك في ان اكون الام التي طالما بحثت عنها,وقطعت اتصالها بي بعد ان وضحت لي من جديد انها قامت بما املاه عليها ضميرها وانها تركت الكرة في ملعبي.
اعلم علم اليقين ان اكثركم ان لم اقل كلكم سوف  ينعتني يايشع الصفات, وينتقدني بابشع العبارات لانني اخطات في الماضي و ما زلت مستمرة في خطاي, لكن يجب ان تصدروا احكامكم هاته بعد ان تضعوا انفسكم في مكاني{ الشيئ الذي لا اتمناه  لاي منكم} , لكني اطمع في كرمكم, اطمع في ان لا تنسوني من دعواتكم, ومتمنياتكم لي بان يغفر الله لي, وان يساعدني على تجاوز محنتي, وان يهديني الى الاختيار الصائب الذي فيه اقل الاضرار والخسائر, لا اعرف كيف, لكني اعلم علم اليقين ان الله تعالى مدبر حكيم,غفور رحيم.

No comments