بينما نعيش في هذه الحياة, نصبح اكثر خبرة وفهما وتفهما, نصبح اكثر استيعابا للاشياء وللاشخاص والمواقف, واكثرادراكا لها, تلقننا الحياة دروسا في التربية والدين والاخلاق والانسانية, وما الى ذلك من المبادئ التي نحتاجها من اجل حياة هادئة هادفة.من بين هذه الدروس والتي دفعت ثمنا باهضا لفهمها,  ثمنا كاد يكلفني حياتي,وهو الاصغاء للوالدين وسماع

نصائحهم وبالتالي الاخذ بها, فاذا ما وافقوا على شيء كنت تريد القيام به وباركوه, اعلم ان الامور ستمر في احسن الاحوال, واذا رفضوا شيئا وعارضوه فمن الاحسن تجنبه ونسيانه لان نهايته ستكون مخزية لا محالة.


حول هذا الموضوع ساحكي لكم حكاية وقعت لي منذ اكثر من 30 سنة, كنت انذاك طالبة في الجامعة,

وحلت العطلة الصيفية, فبعد عام من طلب العلم والجد والكد, اردت السفر الى مسقط راسي حيث تقطن عماتي: الاولى تسكن في المدينة , والثانية في البادية{ في الضواحي}, اذكر جيدا ان امي لم تكن موافقة على ذهابي, ليس لانها لم تردني ان اذهب لزيارة عماتي, لكن لاني لم اكن معتادةعلى الذهاب وحدي, ففي كل مرة كنا نريد زيارة العائلة كنا نسافر جميعا: امي, انا واخوتي{ بينما ابي كان يوصلنا ويطمئن علينا ويرجع لمزاولة عمله} عندما كانت الجدة على قيد الحياة, كنا نذهب الى بيتها{ كانت امي ابنتها الوحيدة} وعندما توفيت يرحمها الله, واصلنا الذهاب الى منزلها لقضاء العطلة كلما كان ذلك ممكنا, وعندما يقوم بدعوتنا احد افراد العائلة, نذهب لتلبية الدعوة ثم نعود للمبيت في منزلنا, كانت اول مرة اريد الذهاب لوحدي دون اسرتي, فكرت ان اذهب عند عمتي التي تقطن بالمدينة, وبعد ذلك اذهب انا وابنتها عند عمتي الثانية بالبادية لقضاء اسبوع او اسبوعين ثم اعود الى منزلنا, اعددت حقيبتي وقررت السفر{ امي لم تمنعني نهائيا من السفر لكنها لم تكن راضية,اما ابي لم يبد لا اعتراضه ولا موافقته, لانه لم يكن يريد اغضابي}.
المهم اني وصلت الى منزل عمتي في اتم الصحة والعافية, وبعد يوم او يومين, اتفقت انا وابنتها على الذهاب الى البادية, في ذلك اليوم نهضنا باكرا, تناولنا وجبة الفطور في المحطة, اشترينا بعض الاغراض لاخذها معنا وذهبنا الى منزل عمتي بواسطة احدى سيارات الاجرة, كانت المسافة التي قطعناها بضع كيلومترات, لكن خيل الي ان المسافة كانت جد بعيدة بسبب حرارة الشمس المرتفعة  في ذلك اليوم, عندما وصلنا كان راسي يؤلمني, اخذت مسكنا للصداع, وبعد ان امضينا بعض الوقت مع العائلة, ذهبت للاستراحة قليلا لعلي احس ببعض التحسن, عندما حان وقت  وجبة الغذاء لم استطع الاكل, وازدادت حالتي سوءا, وفي المساء بدات حرارتي ترتفع شيئا فشيئا, كنت من وقت لاخر اتناول ذلك المسكن لانه الوحيد الذي كان بحوزتي, لم يغمض لي جفن طوال الليل, كنت احس بالالم في جميع انحاء جسمي: حرارة مرتفعة, الام في الراس, والغثيان, كنت كلما حاولت وضع شيء في فمي كنت اتقيا, في اليوم الموالي, ذهبت عمتي الى البستان حيث قامت بما يجب القيام به  من اعمال يومية, وعند عودتها كانت تحمل حزمة من الاعشاب, قالت ان اسمها "المخينزة"{ باللغة الفصحى تسمى الاثينة العطرية}, قامت بغسلها وطحنها مع حبة من البصل الاحمر, ووضعت الخليط على راسي مؤكدة انني ساحس بتحسن ان شاء الله, بالفعل كنت من حين لاخر احس ببعض التحسن, واستطيع الجلوس لبعض الدقائق, في ما عدا ذلك, كنت احس ان راسي ثقيل جدا لدرجة اني كنت افضل الاستلقاء دائما, بقيت على هذا الحال لمدة 5 او 6 ايام, وفي كل ليلة اتمنى ان تتحسن حالتي في اليوم الموالي, بعد ذلك رجعت انا وابنة عمتي الى منزلهم بالمدينة, ذهبت عند احد الاطباء, قال اني تلقيت ضربة شمس قوية , واعطاني بعض الادوية التي استعملتها لمدة اسبوع  دون جدوى, في نهاية ذلك الاسبوع, جاء لزيارة عمتي احد ابناء عمها , نصحني باستعمال نفس العشبة التي استعملتها عند عمتي,  اخبرته اني سبق وان وضعتها على راسي عدة مرات لكن دون جدوى , لكنه اكد انه من الافضل تناولها, خرج بعض الوقت ثم رجع  بشيء منها في يده, غسلها وعصرها وقدم لي كاسا لشربها, كان مذاقها مرا, وبمجرد ان اقربها من فمي احس بالغثيان, رفضت شرب العصير, لكنه ذهب لبعض الثواني وعاد وفي يده اناء وقال لي: يجب ان تشربي هذا الكاس, ويمكنك ان تستفرغي فيما بعد, المهم ان يصل الى معدتك حتى وان لم يبق فيها, وبالفعل بمجرد شربه احسست بجميع احشائي تخرج, لكن المفرح كانت الليلة الاولى التي استطيع فيها الجلوس مع العائلة واتناول القليل من الطعام, وكذلك الاستغراق في النوم لمدة ولو لساعات قليلة,بعد يوم او يومين جاء لزيارتنا نفس الشخص{ ابن عم ابي}, كان ينوي الذهاب الى منزلنا لغرض ما, فطلبت مرافقته بما انني احس بنوع من التحسن ويمكنني تحمل اعباء السفر.
عند وصولي الى منزل والدي,كنت في حالة يرثى لها, كنت قد فقدت الكثير من الوزن, واصبحت هزيلة ضعيفة لا اقوى على القيام بادنى حركة,بمجرد ان شاهدتني امي وابي, بدءا يسالان ويستفتران الامر, واخبرهما ابن العم بما وقع, قررا في اليوم التالي اخذي الى المستشفى العسكري بالرباط{ لان ابي كان جنديا}, قام الطبيب بفحصي بعد ان حكيت له كل ما وقع لي بالتفصيل, اعطاني بعض الادوية, ونصحني بتناولها كلها, قال انني كنت محظوظة, فحسب رايه الشيء الذي ساعدني على البقاء على قيد الحياة بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى تناولي واستعمالي لعشبة المخينزة, وكذلك استحمامي المتواصل بالماء البارد مما ساعدني على تحمل الحرارة المرتفعة نوعا ما, حيث كان يمكنني ان اصاب بمضاعفات خطيرة مثل ثقب في الامعاء او تعفن في الدم,لانه شخص حالتي باصابتي بداء التيفويد والذي هو عدوى بكتيرية خطيرة تسببها بكتيريا السالمونيلا التيفية, تنتقل غالبا عبر الطعام او الماء الملوث ببراز شخص مصاب{ تنتقل بشكل اكبر في المناطق التي تعاني من ضعف في النظافة والصرف الصحي, يعني انني اخذت العدوى ربما عندما تناولنا الطعام في المحطة, ابنة عمتي لم تصب بها لان­ حسب تحليل الطبيب مناعتها اقوى} .
عدت الى المنزل, وبدات في تناول الادوية تحت اشراف والدي خصوصا امي, شيئا فشيئا, بدات احس بالتحسن, وبدات اطلب منهاان تحضر لي اكلات معينة لاني بدات استرجع شهيتي, كنت اتناول الاكل كما لو انني لم اتناوله منذ شهور, بكل شهية وشراهة, وبعد الانتهاء اذهب الى النوم واستغرق فيه لمدة ساعات طويلة, لن انسى ابدا كم مرة وجدت امي تبكي على حالتي وهي مختبئة في ركن من اركان المنزل, وكم مرة كنت احس بها تاتي لتفقدي عندما اكون مستلقية لتتاكد  هل انا اتنفس ام لا,بعد شهر تقريبا , تحسنت حالتي واصبحت كما كنت سابقا, استعدت عافيتي, واسترجعت وزني وراحتي, ووعدت نفسي ان اتبع دوما نصيحة امي وابي في كل شيء, فالله سبحانه وتعالى حبا الوالدين بحدس عجيب وبحاسة سادسة قوية, بحيث يمكنهم استشعار الخطر والاحساس به قبل حدوثه, لذلك انصحكم بضرورة التشاور معهم والاخذ بنصيحتهم وعدم تجاهل رايهم  حتى لا تكون النهاية ماساوية, يتخللها الندم والفشل.


No comments